السبت، 8 مارس 2014

"قراءة التاريخ!" (تم نشره في صحيفة الوطن العمانية بتاريخ 5/3/2014)


ماأجمل القراءة! وما أجمل أن تقرأ التاريخ لأن – من وجهة نظري – قراءة التاريخ تجعلك تعيش آلاف السنين بكل أحداثها وتقلباتها حلوها ومرها،إلا أن التاريخ لا بد أن ألا يقرأ من جهة واحده فلابد من أن تقرأ من كل الجهات من العدو ومن الصديق إيجاباً وسلبا فمن غير المعقول بأن يكون تاريخ حقبة ما كله أيجابياً فالصديق سوف يمتدح تلك الحقبة لكي يسّر بها حاكمها أما العدو فربما يكتب عكس ذلك فتطغى السلبيات عنده أكثر من الأيجابيات ولكن الكاتب المنصف سواءاً كان صديقاً أم عدواً فسوف تجد عنده الموازنة الصحيحة التي تفيد العقول ولا تفسد مجرى التاريخ لذا نصيحتي لكل من يحبذ قراءة التاريخ بأن لا تقرأ لمؤلف واحد بل أقرأ لعدة مؤلفين وسوف تجد الفروقات حتى في ذكر مسميات الأماكن والأحداث .
إن التاريخ يمثل السياسة في كثير من الأحيان والسياسة لعبة خادعة لا تفسر من جهة واحدة بل من كافة الجهات فعامة الشعب نظرتهم تختلف عن الدبلوماسي المحنك والقريب من سدة الحكم قد يرى ويعاين أموراً ربما لا يعرفها المواطن فيقوم أي المواطن بالاستياء من فعل قام به الحاكم ربما تكون فيه مصلحة الشعب على المدى البعيد .
إن قارئ التاريخ لا يجب عليه أن يقرأ بروح المتعصب لوطنه وبلاده لا ! بل عليه أن يقرأ بروح تقّبل الرأي والرأي الآخر ؛لأن التعصب  الذي يفوق حده يعمي البصيرة  فيقدم هذا الشخص على أعمال تهورية يندم عليها ؛لأن التاريخ السلبي يجب على المرء أن يعي ماهي ظروفه  التي أجبرته على أتخاذ هذا المسار قبل أن يطلق الحكم، وبطبيعة البشر ليسوا ملائكة فهم غير معصومين عن الخطأ لذلك كان الصراع بين الخير والشر صراعاً أبدياً منذ بدء الخليقة مع قابيل وهابيل إلى يومنا هذا  .
عندما قرأت أنا كتباً عن التاريخ العربي والمؤلف من بيئة العرب أحسست بالنشوة والأفتخار لما لهذا التاريخ من خلود تناقلته الأجيال من جيلٍ لآخر ولكن عندما أتجهت وقرأت للمؤلفين الأجانب لم أجد أمتداحاً بل وجدتهم يذكرون السلبي مع التأسف عليه التأسف هنا على حدوثة مع أمكانية الشخص المسؤول بأن يتأخذ قراراً كان من شأنه أن يغير تلك اللحظات ولكن كما يقول العرب سبق السيف العذل فلا تغيير لمشيئة الله ،مع الأخذ بالأعتبار بأن المؤرخين الأجانب وخصوصاً المستشرقين يهولون الأمور أحياناً ويقومون بتبسيطها أحياناً أخرى على حسب مايقوله النقاد العرب ولكن يمكننا أن نستشهد من كتبهم ونستنفع بها تارة أخرى لكونهم كسياسيين عسكريين وقريبين من أصحاب القرار في حقبة أنعدم فيها المؤرخين العرب .
ولله الحمد والشكر بأن عمان تزخر بمؤرخين كبار على أختلاف الفترات الزمنية  ،قد  قدموا لنا مجلدات كبيرة  في التأريخ العماني كالعوتبي الصحاري ومجلده الضخم الذي ضم بين دفتيه تاريخ عظيم ومؤرخنا الشيخ السالمي في تحفته الرائعة التي ألفها بعدما طلب منه السلطان فيصل بن تركي ولا ننسى أبنه الشيبة الذي قدم كتاباُ رائعاً هو نهضة الأعيان بحرية أهل عمان   تكملة لما بدأه والده الأمام ، وقبلهما أبن رزيق في كتابه الرائع  ومن زنجبار شيخنا المغيري الذي سّطر في الجهينة الرائعة أخبار الحكم العماني وأوضاع شعبه  في شرقي أفريقيا وفي عصرنا الحديث لمع مؤرخ عماني آخر سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي  - حفظه الله – فقد كتب التاريخ العماني مختصراً ،والكثير من الباحثين والمهتمين بالجانب التاريخي في عمان  .

أدعوكم أعزائي القراء على أقتناء كتب التاريخ فهي زيادة في العمر تعيش مئات السنين بالأضافة إلى  لذة كبيرة في تقصي الحقائق التاريخية من كل جوانبها والأعتبار من الماضي السلبي  والنظر بإيجابية إلى الواقع والمستبقل ،آخذين من ماضينا مايساعدنا على الرسوخ والثبات آخذين بمتطلبات الروح العصرية مع الحفاظ على موروثنا التاريخي العظيم.

(تم نشره في ملحق أشرعة بتاريخ 2/3/2014) "عرسٌ ثقافيٌ آخر"


قدوم المهرجان الثقافي الرائع في عُمان  والذي ينتظره الكثير من المهتمين بالكتاب ألا وهو معرض الكتاب الدولي التي تحتضنه مسقط بأجمل حلة وأبهة جمال شيء رائع جداً خصوصاً لمن ينتظر عناوين ومراجع لها أسمها و وزنها في المحيط الثقافي خليجياً وعربياً ،أبارك لعمان قاطبة هذا العرس الجميل والذي أتمنى أستمراره لأجيال.
من المدهش عند قدوم موعد المعرض نجد الكثير يتساءل عن موعده بالضبط والرائع أيضاً أنتشار روابط في  مواقع التواصل الإجتماعي عن مفتاح البحث عن الكتب الموجودة في المعرض لكي يتأكد الشخص قبل قدومه هل العناوين موجودة أم  لا؟ وهذا يشجع الكثير على أقتناء الكتب ومعرفة الدور التي تعرض هذه الكتب لكي لا يتختلط الأمر على الشخص ويقوم بالتنقل من مكتبة إلى أخرى ويضيع وقته هباءاً في الأنتقال من ركن إلى آخر .
إن ما ألمسه من حماس في بعض الشباب لقدوم موعد معرض الكتاب يثلج الصدر حقيقة ً فمنهم من جهز ميزانية خاصة  أقتطعها من راتبه لكي يقوم بشراء الكتب ومنهم من قام بجرد مكتبته الخاصة لكي لا يكرر ما أشتراه سابقاً وتكون عنده نسخ مكررة ،وقام البعض بتوسعة مكتبته أستقبالاً للمعرض  وللكتب الجديدة التي سيشتريها من المعرض ،إن هذا الحماس ينفي عبارة "أمة إقرأ لا تقرأ" بتاتاً إضافة إلى ذلك رؤية الأعداد الضخمة وهي تزور المعرض يجعلنا قنوعين جداً بأن "أمة إقرأ تقرأ" وخصوصاً مع زيادة الوعي في الشباب العربي نحو أهمية الثقافة والتطلع لما هو أفضل ففي عمان مثلاً نرى الملاحق الثقافية في الصحف يقودها شباب متحمس جداً نحو تجديد الثقافة وتنوعها ونرى أيضاً صالونات التي تفتتح يوم بعد يوم وهي صالونات القراءة  هي مبادرات شبابية بحتة ولكن مع الخبراء المثقفين القدامى يد بيد ،نستشف ولله الحمد  من هذا الأمر بأن الأمة تغير حالها في القراءة من حال حسن إلى أحسن ،ولكن البعض لا يزال ينظر إلينا بأننا أمة تعاف الكتاب ؛ربما لأننا لسنا كالمجتمعات الأوربية نقرأ في محطات القطار أو الباصات أو لحظات أنتظارنا في الدوائر الحكومية أثناء قيامنا بتخليص المعاملات ،ولكننا نقرأ في بيوتنا ومساجدنا ومكتباتنا ،وهذا غير ظاهر للعيان وأنا أعلم بأن المبادرات والصالونات والملاحق الثقافية غير كافية لكي يكون المجتمع كله يقرأ ولابد من عمل دؤوب لكي نرقى بحال الأمة من المبادرات الجميلة التي سمعت بها في عمان سابقاً "كتاب في الحلاق" قامت مجموعة متطوعة بوضع مجموعة كتب في محلات الحلاقة بإحدى مدن مسقط ولا أعلم هل أستمرت هذه المبادرة أم لا! ولكن مبادرة طيبة ورائعة وأيضاً المنتديات الحوارية أبرزت في قسمها الفكري والثقافي زاوية "ماذا تقرأ؟" لكي يستفيد القاريء ويلخص ما قرأه في تلك الزاوية  كما لاحظت في مواقع التواصل الأجتماعي هناك معرف يوفر الكتب ويوصلها إلى من يرغب بها إلى عنوانه من هنا أناشد الوزارت الخدمية من هذا المقال بمبادرة أخرى بأن توفر في صالات المراجعة كتب من مختلف الأصناف والأنواع ما لذ وطاب من الكتب لكي يقضي المراجع وقته مابين دفتي كتاب يستفيد منه وهو بديل رائع لمفارقة الألواح الألكترونية التي غزت وبكل قوة المجتمع العربي فأصبحنا وكأننا عبيد لهذه الألواح نحني لها روؤسنا ليل نهار صبح ومساء، وأقترح بأن تكون مبادرة مكتبة صالة أنتظار المراجعين بالتعاون بين الوزارت الخدمية ووزارة التراث والثقافة بمعنى أن تقوم وزارة التراث بإمداد الوزارت الخدمية بمكتبات عامة تضم مختلف أنواع الكتب  لكي يستفيد المراجع من وقته في الدائرة الحكومية وبتواصل هذه المبادرات يمكننا تحويل الأمة وتغيير فكرها لنجعله راقً جدا جدا وهي محاولات نجحت ولو بشكل غير كامل .

إن الأمة حين تقرأ سوف ترقى فالعلم سلاح قوي جداً ومغير لمجرى الأحداث سياسياً وأقتصاديا ،والطريق الواسع نحو العلم هو الكتاب بعد المدارس والجامعات ويكفينا شرفاً أن أول الآيات نزولاً على المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه هو الأمر بالقراءة إقرأ لكي تسمى أمتنا بأمة إقرأ لهو لقب جدير بالفخر والأعتزاز، نهنيء أنفسنا بعرس ثقافي قادم جدير بمتابعته والوقوف على عتباته لكي ننهل من روائع الكتب أفضلها وأجملها.