السبت، 27 سبتمبر 2014

مواقف...وذكريات مع الشيخ القاضي الجامعي رحمه الله (تم نشره بملحق أشرعه 28/09/2014)



تمر الأيام وتنقضي السنون عاماً بعد عام والرحيل هو سنة الله في هذه الحياة اذ كلنا سنرحل عن وجه الحياة مؤمنين بأنه هنالك حياة أخرى ستكون خالدة ،مايبقيه الراحلين للأحياء هي ذكريات جميلة جداً نضل نتنفسها إلى أن نرحل مثلهم من هذه الحياة الفانية ونبقي نحن بدورنا ذكريات أخرى يتنفسها من يأتي بعدنا .
ُفجعنا هذه الأيام بنبأ وفاة الشيخ  القاضي حميد بن عبدالله الجامعي المعروف بأبو سرور رحمه الله فأهتز عرش الأدب العماني وتصدعت أركانه كون الشاعر الأديب عملاق من عمالقة الأدب العربي والعماني وخصوصاً في الشعر الكلاسيكي الرائع  في زمن كثرة في المدارس الشعرية وتنوعت وتعددت.
ولأنني من الذين جمعتهم لقاءات جميلة جداً مع الشيخ الجامعي رحمه الله كانت سريعة كالطيف ولكنها رائعة كالحلم ،جميلة تلك اللقاءات لأنها تحمل سلوك فقيه وأديب ومعلم عرف كيف هي التربية  وكيف هي أساسيات التصرف في خضم حياته المليئة بالعطاء والخير مابين تلقي  العلم وحمل الفأس والمسحاة للعمل في الحقل وما بين العمل معلماً وقاضياً  كلها حياة مليئة بالتجارب الرائعة بحلوها ومرها .
كانت زيارتي الأولى للشيخ في بيته الكائن بالخوض بمحافظة مسقط تقريباً منذ أربعة عشر عاماً كنا نجري معه لقاء بمناسبة أفتتاح مكتبة الشيخ العلامة حمدان بن خميّس اليوسفي الأهلية ببلدة الفرفارة من أعمال ولاية بدبد لكون الشيخ الجامعي أحد تلامذة الشيخ اليوسفي كان كرمه يفوق كل تصور ولا أقصد هنا الكرم كرم المائدة لا أقصد كرم بشاشة الوجه وجمال المحيا ناهيك ن الكرم الحاتمي في المائدة العامرة ،في نهاية الجلسة وزع علينا الشيخ نسخاً من كتبه وكان أخي من ضمن الحاضرين فأعطاه نسخه ثم أتى ليعطيني نسختي هنا أعترض أحد الحاضرين قائلاً تكفي نسخة واحده له ولأخيه فقال الشيخ الجامعي : لا لكل شخص نسخته الخاصة  تعلمت من هذا الموقف حبه لجعل الجميع يقرأ ويتعرف على أبو سرور في تلكم اللحظة أحببت القراءة لأنه أصبح لدي كتب خاصة بي فكان درساً وذكرى رائعة.
أنتقل الشيخ إلى سمائل وسعدنا جداً لأنتقاله ورجوعه إلى مرابع صباه سمائل الفيحاء هي مدرسته الأولى التي أنطلق منها إلى عمان ككل من قريات إلى بدبد إلى مسقط ..الخ تارةً معلماً وتارةً أخرى قاضياً  ، وكنت في أحد أيام العيد قد ضاق صدري ولا أعلم ما السبب فأحياناً تضيق النفس بدون مسبب لذلك فإذا بهاتفي يرن أحد الأصدقاء يتصل بي قائلاً سأذهب لزيارة الشيخ أبو سرور فهل تذهب معي؟؟قلت نعم على مضض بسبب الضيق ذهبنا أستقبلنا الشيخ ببسمته المعهودة الطيبة وما أن صافحته حتى انزاح الضيق من صدري جلسنا جلسةً أريحية لم نحس بأنه أعلم منا لأن التواضع من شيمه يقطع لنا الفواكه ويعيطنا أياها بيديه المباركة  وما إن خرجنا حتى انزاح كل الضيق وفاضت روحي بالسعادة.
في أحد المرات زرناه  بصدد أننا نريد نؤلف كتاب عن شيخه اليوسفي رحمه الله فقال : الذاكرة لا تسعفني ولكنني أقول لكم بأن الشيخ اليوسفي كان أشهر من نار على علم رحمه الله  بعدها تحلقنا حوله فقال هل أحد منكم يحفظ لأبو سرور أبيات فصمت الجميع ورأيت سحنة حزن على وجهه رحمه الله فقلت له أنا ياشيخنا فأنشدت :
هذي سمائلُ والأثار شاهدةٌ..والحب أصدق من حب يفديها
هنا أبتسم أبتسامة لطيفة جداً جداً مسحت الحزن من وجهه رحمه الله فأرتاح فؤادي بالرغم أنه علق نهاية قولي البيت قائلاً لي :فقط!! أي هذا ماتحفظه قلت نعم وكأنه يعاتبنا على عدم قراءة الشعر وحفظه هي رسالة أخرى تجعل منا مقصرين أتجاه شعره الغزير
إن الذكريات كثيرةٌ جداً ولكن هذا ماخطفته ذاكرتي المتواضعة من من مواقف جميلة ورائعة لرجل من الزمن الجميل كإنسان بعيداً عن الفقه والأدب ،فرحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإن إليه راجعون.